والرسول الكريم يعلم أن ليس عليه إلا البلاغ، ولكنّ حرصه على هداية الناس، ورغبته الشديدة فى استنقاذهم من الضلال فى الدنيا، والنار فى فى الآخرة، يجعله يفرض على نفسه أن يبالغ فى النصح لقومه، وتعهدهم بتوجيهه وإرشاده، كما يتعهد الأب صغاره.. ولهذا كان صلوات الله وسلامه عليه، يأسى أشد الأسى، إذ يرى هذا العناد الذي يملأ الرءوس من قومه، ويمسكهم على شفير الهاوية، التي تهوى بهم إلى عذاب السعير.. ولهذا أيضا كانت كلمات الله تتنزل عليه حينا بعد حين، تدعوه إلى الرفق بنفسه، وألا يحمله حبّه للخير الذي يريد غرسه فى قلوب الناس إلى ما هو فيه همّ وحسرة وقلق.. «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» (56: القصص) (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» (8: فاطر) .
فهؤلاء الذين يسارعون فى الكفر هم الخاسرون، قد ألقوا بأيديهم إلى التهلكة، ولن يضرّوا الله شيئا.
وفى التعبير بالظرف «فى» فى قوله تعالى: «يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ» بدلا من «يسارعون إلى الكفر» ما يشير إلى أنهم قد دخلوا فى حوزة الكفر فعلا، حتى لقد صار الكفر ظرفا يحتويهم ويشتمل عليهم، وهم يتحركون فى داخله، ليبلغوا الغاية فى الكفر والضلال.
وفى قوله تعالى: «إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً» تهوين لشأنهم وأنه لم يكن لينتفع بهم المسلمون لو كانوا معهم، لما فى قلوبهم من مرض، وما فى كيانهم من فساد، كما أنهم وقد تحوّلوا إلى الجبهة المعادية للمسلمين فإنّهم لن يكون لهم أثر فى مسيرة الدعوة الإسلامية، وفى انطلاقها إلى المدى الذي أراده الله لها، والخسران فى هذه الصفقة واقع عليهم وحدهم.. «ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» (33: المائدة) .