ونقول- والله أعلم- إن ذلك وإن كان صحيحا، فإنه لا يخلى نفس المؤمن الحريص على دينه من الحسرة والألم أن فاته هذا الخير، وأقعده المرض عن اللحاق بإخوانه الذين حصّلوا هذا الخير.. تماما كمن يفطر رمضان لمرض، أو شيخوخة، وكمن يقعده العجز عن الجهاد فى سبيل الله.. إنه وإن كان قد خرج من باب الحرج، فإنه لم يدخل فى باب العابدين المجاهدين..!
ولهذا كان من رحمة الله، ولطفه، وإحسانه بالمؤمنين- أن يدعوهم جميعا إلى ساحة رضاه، وأن يمد لهم موائد الخير ليصيبوا منها جميعا، وليأخذ كلّ قدر طاقته، سواء أكان مريضا، أو ضاربا فى الأرض ابتغاء الرزق، أو مجاهدا فى سبيل الله.. فهذا القدر اليسير من تلاوة القرآن، يدخل المسلمين جميعا فى مقام الإحسان، ويتيح لهم جميعا أن يشاركوا فى التأسّى بالنبي فى قيام الليل..
وبهذا لا ينفرد ذوو الهمم العالية من المؤمنين الذين أشار إليهم الله سبحانه وتعالى بقوله: «وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ» - لا ينفرد هؤلاء وحدهم بالتأسى بالنبي فى هذا المقام، وإن انفردوا بالمنزلة العليا، وأخذوا مكان الصف الأول فيه..
ومن جهة أخرى، فإن المخاطبين فى قوله تعالى: «عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» - المخاطبون هنا- والله أعلم- هم جماعة من المؤمنين بأعيانهم، وهم أولئك الذين قاموا مع النبي- صلوات الله وسلامه عليه- ما قام من الليل، أدنى من ثلثيه، أو نصفه، أو ثلثه.
فهذه الجماعة، هى التي جاءت الآية الكريمة هنا لتحلّها من هذا الالتزام الذي ألزمت به نفسها، حتى لقد تورمت أقدام كثير منهم، وكاد يؤدى بهم ذلك إلى التلف، وهم على إصرار بأن يمضوا فى طريقهم إلى غايته، مهما يصبهم من عناء ورهق..