المفسرون والقصّاص، من كل ساقطة ولاقطة- كانت ولا تزال هذه النظرية عند كثير من هؤلاء، من الكفريات، والإلحاديات، التي إن جرت على لسان، كان مجرد جريانها عليه كفرا وإلحادا!! ولهم عذرهم فى هذا!! فالذين قرءوا فى كتب التفاسير والقصص، أن آدم خلق فى الملأ الأعلى، وأن طينته غرست فى جنة عدن، أو جنة الخلد، أو غيرهما من الجنان- على اختلاف روايات المفسرين فى هذا- هؤلاء الذين قرءوا هذه المقولات فى نشأة آدم، يرون أن كل قول يخالف هذا، هو خروج على الدّين، بل خروج من الدين! فى حين أن هذا الأمر كلّه ليس فيه شىء من الدين، ولهذا أباح المفسرون أن يترخصوا فى الحديث عنه، وألا يلتزموا فيه حدّا، فكان لكل منهم مقولاته، التي قرأها أو سمعها، أو توهمها، لأن هذا الأمر ليس من باب التشريع والأحكام، فتتحرّى له الصحة والضبط.
على أن مقولات «دارون» التي أنكرها علماء الدين، وهاجوا وماجوا من أجلها، إنما تقوم على علم وتجربة، وقد يكون فيها قليل أو كثير من الخطأ فى الاستنتاج، ولكن الذي ينبغى أن يكون عليه موقف العقل إزاءها، هو الاحترام لها، والتقدير للجهد الذي بذل فيها، وما دامت ترجع إلى التجربة، وتحتكم إلى العقل، فإن كل عقل مدعوّ إلى الوقوف عندها، والنظر فيها، وأخذ ما يطمئن إليه منها.. أما صدّ العقل عنها، وفراره من بين يديها، فذلك إزراء بالعقل، وامتهان له، وتعطيل للوظيفة التي خلق لها، وخروج على دعوة القرآن التي دعاه إليها.
ثم إن «داروين» الذي أثار هذا الإعصار العاصف، فى عقول رجال الدين- من كل دين- لم يكن منكرا لله، ولا كافرا به، بل إنه- فيما يروى عنه- كان من أشد الناس إيمانا بالله، وشهودا له فى آياته، التي رآها رأى