قريشا بعد انصرافها من أحد، ندمت على أنها أنهت القتال من قبل أن تستأصل المسلمين، وقد أمكنتها الفرصة فيهم، فبدا لها أن تعود فتدخل عليهم المدينة وتبيدهم جميعا.. وهنا أمر النبي أصحابه أن يخرجوا للقاء العدو، دون أن يكون فيهم أحد ممن لم يشهد معهم القتال.. فخرج المسلمون الذين شهدوا أحد، جميعا، وهم مثخنون بالجراح، لا يكاد أحدهم يمسك نفسه.. فلما علمت قريش أن النبىّ خرج فى أصحابه ظنوا أن النبىّ يطلبهم، ليأخذ للمسلمين بقتلاهم فى أحد.. فرجعوا إلى مكة، ورجع النبىّ وأصحابه إلى المدينة، دون أن يقع قتال.
فهؤلاء الذين هم استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. وقد عدّهم الله جميعا فى الشهداء، من استشهد منهم فيما بعد من ولم يستشهد، لأنهم كانوا فى مواجهة القتل المحقق..
وقوله تعالى: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ» هو شرط لنيل درجة الاستشهاد، إذ لا بد أن يستمسك هؤلاء المؤمنون بما هم عليه يومئذ من إحسان وتقوى، أمّا من انحلّ عزمه، وفتر إيمانه بعد ذلك، فليس أهلا لأن ينال هذه الدرجة العليا، وذلك الأجر العظيم.
وفى هذا تحذير للمسلمين الذين ذكرهم الله، ومجّد عملهم، وأعلى منزلتهم- من أن يستنيموا فى ظل هذا الوعد الكريم، دون أن يعملوا ليكونوا أهلا له، وليظلوا محتفظين بهذه المنزلة التي أنزلهم الله أياها، فليتقوا وليحسنوا، وليزدادوا إحسانا وتقوى، فعند الله منازل كثيرة للمتقين المحسنين.
وقوله تعالى: «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» .