وقوله تعالى: «إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» - إشارة إلى أن الآجال المقدرة لا تؤخر أبدا، وأنه إذا انتهى الأجل الذي قدره الله، للإنسان، أو الجماعة، فلن يؤخره الله سبحانه أبدا..
وفى هذا احتراس لما يقع فى الأفهام، من أن القوم إذا استجابوا لله امتدت أعمارهم، إلى ما وراء الأجل المقدور لها عند الله.. وإنما هذا الامتداد للآجال الذي وعدوا به، هو فى ظاهر الأمر البادي لهم، وهم فى يد الهلاك، الذي سيأخذهم جميعا.. وأنهم إذا استمعوا لما يدعوهم إليه نوح، ونجوا من هذا الهلاك- كانت هذه النجاة قدرا من أقدارهم، وكان الانتظار بهم هو الأجل المقدور.. كما أنهم لو عصوا نوحا، ولم يقبلوا ما يدعوهم إليه، ووقع بهم الهلاك- كان هذا الهلاك قدرا من أقدارهم، وكان الموت المعجل لهم، هو نهاية الآجال التي قدرها الله لهم..
إن هذا التحذير، هو أمر مطلوب، وإن الفرار من وجه الخطر هو أمر مطلوب أيضا، فإذا نجا الناجي، فإنما نجا لأنه لم يستوف أجله بعد، وإذا هلك الهالك، فإنما هلك لأن أجله المقدور له قد انتهى..
ولقد دعا نوح قومه، فلم يسمعوا له، ولم يحفلوا به، فجاء إلى ربه شاكيا..
«قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً..»
تلك هى حال القوم مع هذا النذير الذي جاء يدعوهم إلى النجاة من هذا البلاء المطل عليهم، وتلك قصته معهم، يعرضها على ربه، شاكيا عنادهم، طالبا من الله أخذهم بالعذاب الذي هم أهل له..