وإنه لو جاء العطف بالفاء أو ثم، لكان هذا الترتيب حكما ملزما للناس جميعا أن يجروا عليه فى هذه المواقف، ولكان هذا الحكم غير صادق كل الصدق، ولوجد من الناس من ينقضه، ويخرج عليه.. أما العطف بالواو فإنه يتسع لقبول مثل هذه الحالات العارضة على الطبيعة البشرية، حيث أن العطف بها لا يفيد هذا الترتيب الملزم.. فهى- أي الواو- تفيد الترتيب المطلق من جهة، وبذلك تحقق الحكم العام الذي يجرى عليه معظم الناس، ثم هى من جهة أخرى، لا تجعل هذا الترتيب أمرا ملزما- لأن الترتيب ليس من طبيعتها، ولكنه شىء عارض فى مقام الإعجاز- وبذلك تتناول الأطراف المنحرفة من مجموع الإنسانية، وتجعل لها مدخلا فى الحكم، ومكانا فى الصورة.
ثم ماذا بعد هذا؟ ثم كثير وكثير لا ينتهى أبدا.. «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً..»
قوله تعالى:
«كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعى..»
«كلا» ردع، وزجر، ونفى.. فإنه لا نجاة من هذا العذاب، ولا مفر من أن يقع بأهله، فلا يدفعه دافع من جاء أو سلطان، أو فدية من مال وبنين «إِنَّها لَظى» - تعليل لنفى النجاة عن أصحاب النار، وردّ أي فدية لو كان يملك أحد شيئا يقدّمه فى هذا اليوم.. إنها لظى! فهل يملك أحد أن يفرّ منها؟
وفى قوله تعالى: «إِنَّها لَظى» تلويح بهذه النار الجهنمية فى وجه المجرمين..
«إِنَّها لَظى!» وكفى..! فهل يستطيع أحد أن يفلت من «لظى» إذا أوقعه شؤمه، وضلاله فى طريقها؟ ذلك محال.