بالواو محجّبا فى جلاله لا يغشى حماه إلا من يسعى إليه، ويقف على مشارف حماه، يخالس النظر إليه، ويرشف من رحيقه قطرة قطرة.. ولأنى على يقين من أن أي جواب أجيب به عن هذا التساؤل، لا يمكن أن يقطع النظر عن البحث وراء أسرار هذا العطف تلك الأسرار التي لا تنفد أبدا، على كثرة ما يقع منها لأنظار الناظرين فيها.
ولهذا، فإنى لا أرى داعية إلى الإمساك عن الإجابة على هذا التساؤل، بما وقع لى.. ثم إن لغيرى أن يقبل هذه الإجابة، أو يعدّلها، أو يبحث عن جديد غيرها.. وإنه لواجد جديدا، وجديدا..
فأقول:
لعل أول ما يبدو من إيثار النظم القرآنى العطف بالواو، هو أن هذا العطف بالواو فى هذا المقام، يتسع لتحقيق المعنى الذي تتحق به الموافقة للواقع.
ذلك أن هذا الترتيب فى التخلّي عن الأعزاء، أو سوقهم إلى ساحة التضحية والفداء، لا يقع بهذا التحديد على تلك الصورة المعروفة، التي تقع فى الحياة، حين يكون للمرء فرصة للاختيار، فيقدم ويؤخر، فيما يتخلى عنه، أو يقذف به فى وجه العذاب، واحدا، بعد واحد.. وكلّا، فإن شدّة الهول، ووقدة السعير، لا يكون المرء معها فرصة للتفكير والاختيار، وإنما هو يتخلى عنها جميعا مرة واحدة، ويقذف بها كلها دفعة واحدة!! ولكنها- مع هذا الحشد لها- تأخذا هذا الوضع فى الترتيب الذي جاء بها عليه النظم القرآنى..
والعطف بالواو، وبالواو وحدها، هو الذي يحقق هذه الصورة المجتمعة المتفرقة فى آن واحد.. وذلك لأن الواو لمطلق الجمع من جهة، وللترتيب بين المتعاطفين من جهة أخرى، ثم إنه ليس بين متعاطفيها إمهال ملتزم، كما يكون ذلك بين المتعاطفين بالفاء، أو ثم..