فإن راوده الأمل، ونازعته نفسه إلى حمل شىء معه، كان نظره إلى أعزّ شىء عنده، يجعله معه، ويمنّى نفسه بالنجاة به، فإن هو قد وجد فرصة النجاة ضيقة تخفف مما حمل، ورمى بالعزيز، دون الأعزّ.. ثم إذا ضاقت الدائرة بحيث لا تتسع إلا لنفسه، رمى بكل شىء، وطلب السلامة لنفسه، والفرار بجلده.
إن هذه الدقة البالغة غاية الأحكام، فى تصوير الحقائق، وانتزاعها من أغوار النفس، ومسارب الفكر، لا تكون فى غير القرآن الكريم، ولا تجىء إلا من تلقائه، حيث القدرة المعجزة، والبيان المفحم..
ولو ذهب كانب أو شاعر، يصور هذه الأحوال، لما أمكن أن يقارب هذا التصوير القرآنى، ولا أن يقع فى ظلاله..
وهب شاعرا أو كانبا وقع فى نفسه هذا الترتيب، أفتظن أنه كان يستطيع أن يجد له هذا البيان الواضح السمح، الذي يتدفق تدفق النور من وجه الصباح الوليد؟ ثم أكان يفرّق في هذا المقام بين زوجة وزوجة بهذه اللفظة المعجزة:
«صاحبته» التي تضمن لهذا الترتيب بين أهل الإنسان وعشيرته، الصدق والواقعية؟
ثم ماذا؟
ثم هذا العطف بالواو فى الآيتين:
«يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ.» .
«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ» . (34-
36: عبس) .
هذا العطف بالواو.. ماذا تقول فيه؟