ولكن هذا القيد الذي أحاط بعنقه، وهذه السلسلة الطويلة التي يسحب منها، إنما هو إذلال له، وامتهان لكرامته بين الناس، ومعاملته معاملة الحيوان الذي يقاد من مقوده، ويربط فى حظيرته..
ولا نتجاوز بالحديث عن هذه الأدوات الجهنمية، من قيود، وسلاسل، ومقامع، وغيرها من أدوات النكال والتعذيب- لا نتجاوز بها الحدود التي يتسع لها اللفظ القرآنى.. فهناك- يقينا- أدوات عذاب- وقانا الله شرها- من سلاسل، وأغلال، ومقامع، وطعام من زقوم، وشراب من حميم، وغير ذلك مما ورد ذكره فى القرآن الكريم.. ولكن ما صفة هذا؟ ولم كان طول السلسلة سبعين ذراعا؟. هذا مالا نتكلف البحث عنه، وطلب الجواب له..! وحسبنا أن نقول كما علمنا الله أن نقول فى مثل هذا المقام: «آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» (7: آل عمران) .
قوله تعالى:
«إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ» .
هو بيان للسبب الذي من أجله صار هذا الشقىّ إلى هذا المصير المشئوم..
«إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ» الذي ملك بعظمته وسلطانه أمر هذا الوجود، والتصرف فيه كما يشاء، دون أن يكون لأحد سلطان معه.
وفى وصف الله سبحانه وتعالى بالعظمة هنا، إشارة إلى أن هذا اليوم- يوم القيامة- يتعرّى فيه كل ذى سلطان من سلطانه.. فقد كان للناس فى الدنيا، شىء من الإرادة، والتصرف، والملك والسلطان، ولكنهم فى هذا اليوم سلبوا كل شىء، وتعرّوا من كلّ شىء.. ولهذا يقول الحق سبحانه فى هذا اليوم: «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟» فيجيب الوجود كله: «لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» .