تعرض الآيتان الكريمتان هنا مشهدا من مشاهد القيامة، وما يقع فيها من انقلاب شامل فى صورة العالم التي ألفها الإنسان، وعاش فيها بحواسه المحدودة..
وقد تحدثنا فى سورة «الواقعة» عن هذه التغيرات التي ذكرها القرآن الكريم عن يوم القيامة، وقلنا إن هذه التغيرات ليست واقعة على الموجودات من أرض وجبال، وبحار، ومن سماء ونجوم، وشمس وقمر، وإنما التغير الذي يحدث، هو فى الإنسان المتلقّى لهذه الموجودات، حيث تغيرت طبيعته بعد البعث، وأصبح له من القوى فى حواسه ومدركاته أضعاف أضعاف ما كان له فى حياته الأولى، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (22: ق) .. فلقد كشف للإنسان الغطاء فى هذا اليوم، عن كثير من عوالم الوجود، مما لم يكن من الممكن أن يراه، أو يعلمه، وهو فى الحياة الدنيا..
فقوله تعالى: «فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ» يشير إلى أنه نفخ فى الصور، بعث الموتى من القبور بتلك النفخة الواحدة، لأن هذه النفخة هى أمر من أمر الله، فإذا أمر الله أمرا وقع كما أمر، كما يقول سبحانه: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (82: يس) وكما يقول سبحانه: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ» (51: يس) وقوله تعالى:
«وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً» .. أي رفعت الأرض والجبال، فكانتا كيانا واحدا..