ما يلقى من سفاهة السفهاء، وحماقة المحمقين من قومه.. فهذا هو حكم الله، الذي يدعوه إلى امتثاله: إنه الصبر، ولا شىء غير الصّبر..
وقوله تعالى: «وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ» - هو شدّ من عزم النبىّ على الصبر، وتوكيد لالتزامه، والتمسك به، وألا يزايل موقفه الذي هو فيه، كما فعل صاحب الحوت- وهو يونس عليه السلام- حين أخلى مكانه بين قومه، وتركهم مغاضبا لهم، بعد أن دعاهم إلى الله، وتوقفوا عن إجابة دعوته.. ولو أنه صبر على عنادهم، وعاود نصحهم يوما بعد يوم، لاستجابوا له، فقد كان فيهم- مع هذا العناد- بقيّة من خير، يمكن أن تكون شرارة يتوهج منها نور الإيمان، لو وجدت من ينفخ فيها برفق، وأناة، ويتلطف فى الإمساك بها من غير تعجل.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى عن موقف يونس عليه السلام: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» (87: الأنبياء) .. فيونس عليه السلام- هو الذي ذهب مغاضبا لقومه، أي محدثا الغضب من قبل أن تجتمع لديه أسبابه القويّة الداعية إليه..
وقوله تعالى: «إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ» بيان لحال يونس عليه السلام، وهو فى بطن الحوت، ثم بيان لحاله، وهو ينادى فى جوف الحوت..
فالله سبحانه وتعالى ينهى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- عن أن يكون فى موقف كموقف يونس- عليه السلام- حين نادى ربه فى حال هو فيها مكظوم، أي مغيظ، محنق، محتنق من الغيظ، والضيق..
والكظم: مخرج النفس من الصدر، وكظم فلان: أي حبس نفسه..
وكظم الغيظ: حبسه، ومنه قوله تعالى: «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ» .