يمهلهم، ويملى لهم، فلا يعجّل لهم العذاب فى الدنيا، حتى تمتلىء كأسهم من الآثام والمنكرات..
وقوله تعالى: «إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» أي إن تدبيرى محكم، فإذا أمليت لظالم فإنما أملى له، لأضاعف له العذاب، لمضاعفته هو المنكرات والسيئات، حين امتدّ عمره، وكثر المال فى يده، ليحارب به الله، ويسلك به كل سبيل من سبل الفساد والضلال.
قوله تعالى:
«أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ» .
هو مواجهة للمشركين بهذا السؤال التهكمى، بعد أن ووجهوا بالوعيد والتهديد فى قوله تعالى: «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» .. إذ ماذا يحجزهم عن الاستجابة لهذا الخير المدعوّين إليه؟ وما لهم لا يمدون أيديهم إليه؟ أأنت أيها النبي تطلب إليهم ثمنا لهذا الخير الذي تقدمه لهم، حتى إن هذا الثمن يثقلهم، ويحول بينهم وبين الوصول إلى هذا الخير؟ إن أحدا لم يطلب منهم شيئا فى مقابل هذا الرزق الكريم المبسوط للناس جميعا.. ولكن هى نفوسهم الخبيثة التي عافت هذا الطعام السماوي، ووقفت إزاءه نافرة منه، وهو يقدّم إليها بلا ثمن..
قوله تعالى:
«أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» .. أي أم عندهم علم الغيب، فهم يستملون منه أنباء المستقبل، ويرون على ضوئه ما ينتظرهم على طريق الحياة؟
إنهم لا يلتفتون إلى هذا النور الذي بين يدى النبىّ، الذي لا يسألهم أجرا عليه. فهل معهم نور يهتدون به؟ وهل عندهم علم من الغيب يكشف لهم معالم الطريق الذي هم سائرون فيه؟ إنهم يسيرون فى ثقة واطمئنان، ولا يدرون