أما المفهوم الخاص الذي جعل لهذه «الكلمة» ، أو هذا الحرف، فهو أن يراد به ما يقال عن «الحوت» العظيم الذي تقوم عليه الأرض، كما يزعم لزاعمون.. وكأنّ المفسرين قد نظروا فى هذا إلى قوله تعالى: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» (87: الأنبياء) ثم إلى ما جاء فى قوله سبحانه فى هذه السورة: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ» (الآية: 48) .. فالسورة تبدأ بالحرف «ن» وفى خاتمتها يذكر «صاحب الحوت» .. وصاحب الحوت هو «ذو النون» .. أي يونس عليه السلام.. وإذن فهذه قرائن على أن حرف «ن» هو اسم للحوت! .. هذا ما نحسب أن المفسّرين الذين قالوا إن «ن» هى الحوت، قد نظروا إليه، وأخذوا قولهم هذا عنه.
ولكن أي حوت هو؟ أهو الحوت الذي ابتلع يونس عليه السلام؟ وكلّا فإن الحوت الذي يقسم الله سبحانه وتعالى به، يجب أن يكون ظاهرة فريدة من ظاهرات الوجود.. ليكن إذن هو الحوت الذي تتحدث عنه قصة أو قصص خلق العالم، التي كانت تعيش فى خيال كثير من الأمم والشعوب!! إن هذا الحوت الذي يقال إنه يحمل الأرض، أو بمعنى أدقّ، يحمل الثور الذي يحمل الأرض بقرنه- هو من مواليد الخرافات والأساطير، وما يروى عنه من مقولات تضاف إلى الصحابة أو التابعين، هو أحاديث مكذوبة على هؤلاء السادة الأعلام، الذين يرفعهم قدرهم ودينهم عن أن يقولوا بغير علم، والذين لو ثبت لهم قول، لكان هذا القول من الحق المتلقّى من نور النبوة، ولما اصطدم أبدا مع واقع الحياة، وما يكشف عنه العلم من حقائق.
فالحرف، أو الكلمة «ن» هى من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون فى العلم، الذين يعرفونه بإحالة المتشابه على المحكم، والذين هم على الإيمان به إيمانهم بالمحكم.. إذ «كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ..