نجد فى هذا، كيف كان علم الله بما فى الإنسان من ضعف، وأنه فى معرض الخطأ والزلل، وذلك مما يقيم له عذره عند الله، فيمنحه عفوه ومغفرته، فإن هفا هفوة، أو زلّ زلة، أقال الله عثرته، وأنهضه من كبوته، وأعاده إلى حظيرة الإسلام، ولو تركه لشرد وضلّ، وهلك..
وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا» .
دعوة للمؤمنين أن يتجنبوا وساوس الكافرين الذين لا يؤمنون بقضاء الله، ولا يستسلمون لقدره.. فإذا مات لهم ميت أو قتل لهم قتيل، وهو يجاهد فى سبيل الله- قالوا هذا القول المنكر، الذي حكاه القرآن عنهم:
«لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا» .. وهذا ضلال فى الرأى، وكفر بالله، ودفع لقضائه.. فقد مات من مات وقتل من قتل، حين استوفى كل أجله..
وهذا الضلال فى الرأى، إنما هو- فوق أنه كفر بالله- هو مبعث حسرة وندم، تمتلىء بهما قلوب الكافرين كمدا وألما أن ذهب إخوانهم فى هذا الوجه، فكان ذلك سبب موتهم أو قتلهم، ولو أقاموا معهم ما ماتوا وما قتلوا:
«لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ» ولو أنهم عقلوا وآمنوا، لعلموا أن الموت والحياة بيد الله، ليس لأحد شأن أو تدبير فيهما: «وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» قد أحاط علمه بكل شىء، ونفذ حكمه فى كل شىء! وهذا من شأنه أن يدعو الإنسان إلى التسليم والرضا بالشر والخير، والضرّ والنفع.
والسؤال هنا: كيف يكون منهم قول لأولئك الذين قتلوا أو ماتوا؟
وكيف يسمّون بإخوانهم، وهؤلاء كافرون وأولئك مؤمنون؟