وهناك جانب آخر من الإنسان فيما يتصل بأوامر الله ونواهيه، وهو الجانب الذي يمسّ المجتمع الذي يعيش فيه، والذي تحكمه أوامر هذا الدين الذي يدين به، وهو الجانب الظاهر، الذي يتمثل فى الاستماع لأولى الأمر والطاعة لهم، وتقديم المال المطلوب منه فيما يبدو من ظاهر حاله لولىّ الأمر..
وهذا يعنى ألا يقف المسلم عند قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وأن يجعل تقديره لاستطاعته، حكما ملزما لولىّ الأمر.
فإذا دعى من ولى الأمر إلى الجهاد مثلا، فلا يتعلل بأنه مريض، أو ضعيف، وإن كان فى الواقع مريضا أو ضعيفا، بل يجب أن يسمع ويطيع، على ما به من مرض أو ضعف.. فإن سمعه وطاعته فى تلك الحال شاهدان يظاهران ما هو عليه من مرض أو ضعف، وهذا من شأنه أن يجعل ولىّ الأمر هو الذي يعفيه من الجهاد، ويعزله عن ركب المجاهدين.. أما إذا أبى أن يسمع أو يجيب، كان ذلك مثار فتنة لغيره، ثم كان موضع تهمة له بأنه يتصنع المرض أو الضعف، حتى يتحلل من الاستجابة للجهاد الذي يدعوه إليه ولى الأمر..
وكذلك الشأن فى الإنفاق فى سبيل الله، وهو أنه من الواجب أن ينفق المرء فى سبيل الله من غير دعوة، فإذا دعى من ولىّ الأمر كان عليه أن يجيب، وأن يقدم المطلوب منه، من زكاة أو نحوها..
وقوله تعالى: «خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ» .. يجوز أن يكون مفعولا به للفعل «أنفقوا» أي أنفقوا مالا، أو نحوه، مما هو خير، ونافع، ويكون الجار والمجرور «لأنفسكم» متعلقا بقوله تعالى «خيرا» أي أنفقوا خيرا لأجل أنفسكم.. وعبّر عما ينفق بلفظ الخير، لأنه خير فى ذاته، وهو خير لمن ينفق من أجله، وهو خير لمن ينفقه..