وقوله تعالى: «إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» - هو حكم من الله سبحانه وتعالى على أعمالهم، بأنها أعمال سيئة، لا تعقب إلا سوءا، ولا تجرّ على أصحابها إلا الحسرة والندامة..
وقد وقع الوصف بالسوء على الأعمال، لأن الأعمال هى التي تظهر على محكّها الأقوال.. أما الأقوال، فما أكثر ما تخالفها الأعمال.. فقد يكون القول فى ظاهره حسنا جميلا، على حين يكون العمل من ورائه سيئا خبيثا.. وإنه لن يكون عمل طيب، إلا وكان معه القول الطيب! لأن القول أخفّ مئونة من العمل، ولهذا كانت الأعمال، هى مناط الحساب والجزاء..
قوله تعالى:
«ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ» .
أي ذلك النفاق الذي فيه هؤلاء المنافقون، هو بسبب أنهم آمنوا، ودخلوا فى تجربة مع الإيمان، فلم يجد له مكانا فى قلوبهم، فلفظوه كما تلفظ المعدة المريضة الطعام الطيب، وبهذا رجعوا إلى الكفر الذي لم تبعد الشّقة بينهم وبينه.
وقوله تعالى: «فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ» أي ختم على قلوبهم بأنها لا تقبل الإيمان، ولا تستجيب له، فقد امتحنت من قبل بالإيمان امتحانا كشف عن معدنها، وأنها لا تلتقى بالإيمان، ولا تسكن إليه..
إن من يلتقى بالإيمان يوما، ويعيش معه زمنا، ثم يفارقه- لن يكون بينه وبين الإيمان لقاء على مودة أبدا.. ذلك أن القلب الذي يدخله الإيمان، ثم يخرج منه- لن يعود إليه بحال، إنه فراق إلى غير لقاء.. وهذا يعنى أن الإيمان سهل المورد لمن هو من أهله، أما من لم يكن من أهل الإيمان فلن يقبله، وإن قبله فإنه سرعان ما يرفضه، لأنهما على طبيعتين مختلفتين. وهيهات أن يقع ائتلاف بين ما اختلف من الطبائع أصلا..