قوله تعالى:

«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» .

هذا التسبيح الذي تسبح به السموات والأرض لله رب العالمين، هو وإن كان دائما لا ينقطع، إلا أنه هنا تسبيح خاص فى مواجهة هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على أهل الأرض، وهى بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بالهدى ودين الحق.

والأميون هم العرب، وسمّوا أميين، لأنه لم يكن لهم كتاب سماوى، وكان اليهود يطلقون على جميع الأمم لفظ الأميين بالإضافة إليهم هم.. يريدون بهذا أن يمتازوا على الناس، بأنهم هم الذين خاطبتهم السماء، وبعثت فيهم الرسل، وأنزلت عليهم الكتب.. أما غيرهم من سائر الأمم فلم يكونوا أهلا لأن يخاطبوا من الله، وأن يتلقوا رسالاته.. وبهذا صحّ فى زعمهم أن يدّعوا هذه الدعوة الضالة، وهى أنهم شعب الله المختار.. فلقد كانت هذه الدعوى شؤما وبلاء عليهم، إذ عزلتهم عن المجتمع الإنسانى، وأقامتهم فى الحياة الإنسانية مقاما مضطربا، لا يلقاهم الناس، ولا يلقون هم الناس، إلّا على عداوة وجفاء.

ففى قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ» امتنان على الأمة العربية، بهذا الفضل الذي ساقه الله سبحانه وتعالى إليهم، وردّ على اليهود، وإبطال لدعواهم بأن الله اختارهم على العالمين.. واختصهم بفضله وإحسانه..

فالأمية التي وصف بها العرب هنا هى أمية من نوع خاص، وهى أمية من لا كتاب لهم من عند الله. وإن كان هذا لا يمنع من تفشّى الأمية فيهم، وهى أمية الجهل بالكتابة والقراءة. وذلك أن الدّين كان هو الباعث الأول على العلم، وعلى تعلم القراءة والكتابة، وأن أصحاب الكتب السماوية هم الذين كانوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015