فقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ» .. هو استحضار للتقوى التي تدعو الإنسان إلى مراقبة نفسه ومحاسبتها.. وذلك ما أشار إليه قوله تعالى «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ» وأما قوله تعالى بعد ذلك: «وَاتَّقُوا اللَّهَ» فهو استحضار لتقوى الله، فى كل حال يقف المرء فيها مع نفسه موقف المحاسب والمراجع، حتى لا يميل مع هواه. ولا تغلبه نفسه على ما تشتهى.. فالمراد بالأمر بتقوى الله هنا، هو تقواه فى تلك الحال، أي واتقوا الله وأنتم تحاسبون أنفسكم، فلا تميلوا معها، ولا تتبعوا أهواءها..
قوله تعالى:
«وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، هم أهل الضلال من المنافقين، واليهود، الذين خلت قلوبهم من تقوى الله، وخشيته، فلم ينظروا فيما يقدمون لغد، بل شغلوا بما هم فيه من متاع الحياة الدنيا، ونسوا الله، ولم يذكروا عقابه، ولم يستحضروا جلاله وعظمته، فكان هذا النسيان لله، ولجلاله، وعظمته، سببا فى نسيانهم لأنفسهم، فلم ينظروا إلى المصير الذي هم صائرون إليه، ولم يروا البلاء المحدق بهم من هذا الضلال الذي هم فيه.. ولو أنهم ذكروا الله، وذكروا حسابه وعقابه، لذكروا وجودهم هذا الذي يسبح فى بحار الضلال، ولعملوا جاهدين على إنقاذ أنفسهم مما هم فيه، فكان نسيانهم لله، هو الداء الذي ران على قلوبهم، وأعمى أبصارهم، فلم يروا حقا، ولم تقبل قلوبهم ما هو حق.
وعلى هذا يكون فاعل الفعل أنساهم ضميرا عائدا على المصدر المفهوم من الفعل «نسوا الله» أي: فأنساهم هذا النسيان أنفسهم.. ويجوز أن يكون الفاعل ضمير لفظ الجلالة العائد على قوله تعالى: «نسوا الله» .. بمعنى: نسوا الله فعاقبهم الله بأن أنساهم أنفسهم.