ولهذا جاء وصفهم هنا «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ» على حين جاء وصفهم فى مقام خوفهم من الناس أشد من خوفهم من الله: «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ» ..
إذ كان العقل- مجرد العقل- كاف فى تقدير السلامة من الخطر، وأن السلامة رهن بالاجتماع لا بالتفرق، حتى إن بعض الحيوانات لتهتدى إلى هذا بغريزتها، فإذا واجهها خطر واجهته جبهة واحدة، لم يفر منها أحد.. أما فى مقام الخشية لله، فإنها لا تكون عن عقل- مجرد عقل- بل لا بد من عقل، معه فقه وعلم..
قوله تعالى:
«كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
أي سيكون مثل هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب- وهم بنو قريظة- سيكون مثلهم مثل الذين من قبلهم قريبا، وهم بنو النضير الذين لم يمض زمن بعيد على ما وقع لهم، وأن بنى قريظة سيذوقون مثل ما ذاق بنو النضير من خزى وهوان، بل ولهم فوق هذا «عَذابٌ أَلِيمٌ» وهو القتل والسبي، اللذان نجا منهما بنو النضير الذين كان حكم الله فيهم هو الجلاء، كما يقول سبحانه. «وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ» .
وفى قوله تعالى: «قريبا» إشارة إلى قرب الزمن بين إجلاء بنى النضير وبين ما سينزل ببني قريظة.. وذلك أن ما حل ببني قريظة من قتل وسبى كان بعد غزوة الأحزاب، حيث إنه ما كاد الحصار الذي ضربه المشركون على المدينة حول الخندق- ما كاد هذا الحصار ينتهى، وينقلب المشركون مدحورين خائبين- حتى دعا النبي- صلوات الله وسلامه عليه- أصحابه إلى حرب