مكة قبل الهجرة.. «وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا» أي ولا يجد الأنصار فى صدورهم شيئا من الضيق، أو الألم، أو الغيرة، لما أخذ المهاجرون من غنائم بنى النضير.. فقد جعل الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- ما أفاءه الله عليه من تلك الغنائم- جعلها فى فقراء المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا، إلا ثلاثة نفر منهم كانوا على حال ظاهرة من الفقر.. وبهذا العطاء الذي ناله المهاجرون خفّ العبء عن الأنصار الذين كانوا يقاسمون إخوانهم المهاجرين ديارهم وأموالهم..

«وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» الإيثار: هو تقديم حاجة الغير على حاجة النفس، سخاء وتفضلا.. وهذا لا يكون إلا من نفوس مهيأة للتضحية.. والإيثار: ضد الأثرة، وهى حب النفس حبّا يعميها عن كل شىء، فلا يرى المرء إلا ذاته، ولا يعمل إلا من خلال هذه الذات، وما يحقق لها من نفع ذاتى لا يشاركها فيه أحد..

والخصاصة: الحاجة، والفقر الذي يعجز الإنسان عن إدراك الضروري من مطالب الحياة..

أي أن هؤلاء الأنصار، من طبيعتهم السماحة والبذل، وإيثار إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، والنزول لهم عن الطيب الأكثر مما فى أيديهم، مع حاجتهم إليه.. وهذا هو الفضل على تمامه وكماله، حيث يجىء عن حاجة، ولا يجىء عن غنّى وسعة.. وإذن فهم لا يجدون فى صدورهم حاجة من الحسد لما أصاب إخوانهم من خير، بل إنهم ليجدون فى هذا سعادة ورضى لهم.. فإن النفوس الطيبة الكريمة ليسعدها أن تجد الخير يغمر الحياة، ويعمر البيوت، ويشيع فى الناس الغبطة والرضا.. أما النفوس اللئيمة الخبيثة، فإنه يزعجها ويسوءها أن ترى خيرا يصيب أي أحد من الناس، ولو كان من أقرب المقربين إليها..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015