وانظر كيف رفع الله قدر هذه الأمة، وأعلى شأنها، وكيف جعل غذاءها السماوىّ الذي أنزله عليها غذاء يتصل بالروح، ولم يجعله فيما يقدم إلى البطن والمعدة، وفى ذلك ما فيه من كرامة وتكريم لهذه الأمة، التي تتلو القرآن وتدين بالإسلام، وتتعبد بقول الحق جل وعلا فى شأنها: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» (111: آل عمران) .
فمن شأن القرآن أن يقيم المتصلين به على طريق الحق، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله! إن الذي يستقيم على دعوة القرآن، لهو إنسان سليم فى كيانه، معافى فى نفسه، ثم هو مع ذلك قادر على أن يحمل الهدى إلى غيره، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكون خليفة الله فى الأرض، وخليفة الرسول فى الدعوة إلى الله، وهداية الناس إليه.
ولكن صحبة المسلمين للقرآن لم تكن قائمة على العدل والإحسان فى جميع الأحوال.. فكثيرا ما أساء المسلمون تلك الصحبة، وأوسعوها جفاء وعقوقا، حيث يعيش القرآن فيهم غريبا.. لا يقفون عنده، ولا يلتفتون إليه، ولا يتدبرون آياته، ولا يتلقون بعض ما فيه من خير وهدى! والجفوة التي بين المسلمين وبين القرآن الكريم جفوة غليظة مستحكمة، قد تداعت عليها دواع كثيرة، أحكمت بنيانها، وثبتت دعائمها، فلم يعد بين المسلمين وبين القرآن طريق يصلهم به إلا تلك الطرق الدارسة الطامسة، التي تتصاعد منها أتربة وأدخنة، تعمّى على الناظر منهم فى كتاب الله، وجوه الحق والخير التي فيه.