منهم منالا أبدا، وهم فى داخل هذه الحصون التي لا تنال.. فكان من تقدير الحكيم العليم أن يبطل حساب هؤلاء الأشقياء، ويفسد تدبيرهم، ويختل تقديرهم، فيكون النبي وأصحابه هم الذين تتداعى بين أيديهم هذه الحصون، ويخرج منها القوم كما تخرج الفئران من أجحارها، وقد أغرقها السيل الجارف!! وقوله تعالى: «وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ» إشارة إلى ما كان من تدبير الله سبحانه وتعالى، لإبطال عمل هذه الحصون، فقد قذف الله سبحانه الرعب والفزع الشديد فى قلوب المتحصنين بها، فبدت لهم هذه الحصون الحصينة وكأنها بيوت من زجاج أو ورق، فلم يكن منهم حين رأوا المؤمنين يحاصرونهم إلّا أن يستسلموا من غير قتال، أو اعتداد بتلك الحصون..

وقوله تعالى: «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» - أي أن هذه الحصون التي كانت بمكان الإعزاز والإعجاب من نفوسهم، قد هانت عليهم، وخفت موازينها فى أعينهم، بعد أن رأوا- بما امتلأت به قلوبهم من رعب- أنها لا تردّ عنهم عدوا، ولا تدفع مغيرا، فأخذوا يخربونها بأيديهم، ويفتحون معاقلها للمسلمين، كما تركوا للمسلمين أن يدخلوها عليهم، وأن يفتحوا مغالقها، ويطلعوا على مسالكها.. وهذا هو معنى خرابها، الذي يبدو فى تعطيلها، وتعطيل وظيفتها التي أعدت لها.. ومنه قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها» (114: البقرة) وقوله تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» - هو إلفات إلى هذا الحدث، وما فيه من دلالات على قدرة الله سبحانه، وعلى تدبيره المحكم الذي لا يغالب، وهذا ما لا يراه إلا أصحاب الأبصار النافذة إلى حقائق الأمور، وإلى مواقع العبرة والعظة منها..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015