فأنت بين يدى خمس آيات تلاحمت، وتماسكت دون أن يقوم بينها حرف عطف:
«الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ» ..
إن ما بينها من تجاوب وتآلف، يجعلها فى غنى عن أن يقوم بينها عاطف يعطف بعضها على بعض، ويجمع بعضها إلى بعض..!
ثم انظر كيف كانت كلمة «الرحمن» التي بدئت بها السورة، هى الميزان الذي تجرى أحكامه على آيات السورة كلها، وتنضبط عليه أنغامها، وتتألف منه وحدة اللحن كله.. فيكون أشبه «بالرتم» الذي يمسك باللحن الموسيقى من مطلعه إلى نهايته! ..
«الرحمن» .. إنه الذي يمسك بأجزاء السورة كلها، لفظا ومعنى..
فالرحمن، تتدفق من رحمته هذه النّعم، التي تعرضها السورة فى كل آية من آياتها، وقد تصدر القرآن- ومعناه القراءة الواعية فى صحف الوجود وفى كتب العلم وأجلها القرآن الكريم- تصدّر كلّ هذه النعم..
فإنه بغير هذه القراءة لا يهتدى الإنسان إلى الله سبحانه، ولا يتعرف على خالقه، ولا تقوم قدماه على طريق الحق والخير.. ثم يجىء الإنسان على رأس المخلوقات جميعها، إذ هو وحده الذي حمل الأمانة، أي العقل والتكليف، من بينها جميعا، فيكون هو التلقي لمجتمع كلمات الله، القارئ المستبصر، الذي يكشف بقراءته دلائل القدرة الإلهية.. فيؤمن بالله، ويقوم على خلافته فى الأرض، وبقيم موازين العدل فيها..
ثم انظر مرة أخرى إلى هذا التدبير الحكيم الذي تطلع به عليك هذه