ولا يعقل أن يقيم النبي من انشقاق القمر- إن كان قد انشق- شهادة على صدق رسالته، وعلى أن انشقاق القمر كان معجزة شاهدة له، إذا لم يكن قد آذن القوم بوقوع هذا الحدث العظيم قبل أن يقع.. أمّا أن يجىء بعد وقوع الحدث ويقيم منه شاهدا له، فهذا قلب لأوضاع الأمور وقد عصم الله رسوله، وجنبه الزلل والعثار..

ورابعا: خسفت الشمس على عهد الرسول الكريم بالمدينة، وصادف ذلك أن كان يوم موت ابنه إبراهيم، فقال الناس خسفت الشمس لموت إبراهيم!! فدعا الرسول الناس إليه، ثم خطبهم فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، وإلى الصلاة» .

هذا، هو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وذلك هو موقفه من الأحداث التي تقع فى الطبيعة.. إنه يصحح المفاهيم الخاطئة التي تقع الناس، من ربط الأحداث التي تقع لهم بالكواكب والنجوم، وأن ما يجرى على الشمس والقمر من خسوف وكسوف، ليس إلا من العوارض التي تعرض لهما فى نظام دورثهما فى الفلك.

وخامسا: إذا كان النبىّ يريد أن يتحدى قومه بمعجزة مادية، يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يؤيده بها، فلم يختار انشقاق القمر، وتمزقه قطعا فى السماء؟

أليس الأولى من ذلك أن يريهم أثرا محسوسا بين أيديهم، كأن يفجّر لهم عين ماء، أو أن يشير إلى جبل من الجبال المحيطة بهم فيتحول عن مكانه؟

هذا، وليس فى الإخبار فى القرآن عن انشقاق القمر بلفظ الماضي قرينة على وقوع الفعل، فكما يدل الماضي على حدوث الفعل فعلا، ويخبر عن وقوعه فى الماضي كذلك يعبر بالفعل الماضي عن الأمر الذي سيقع مستقبلا، وذلك لغرض بلاغي، وهو الدلالة على أن هذا الفعل محقق الوقوع لا محالة، وأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015