وارد من موارده.. وإنما هو عن ظنون وأوهام، وإن الظن إذا لم ينته بصاحبه إلى اليقين، هو ضلال مبين «لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» أي لا يقوم مقام الحق فى أي موقع من مواقعه، ولا يمسك الممسك به إلا بقبض من ريح!.
قوله تعالى:
«فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا» .
هو استخفاف بهؤلاء المشركين المعاندين، وأنهم ليسوا أهلا لأن يرص عليهم، ويبالغ فى الطلب لخلاصهم.. فليتركوا ليد الهلاك والضياع..
فذلك هو جزاء الظالمين.. إنهم أعرضوا عن ذكر الله، وردّوا اليد المبسوطة لهم بالهدى، وأبوا أن يؤمنوا بالآخرة، وأن يعملوا لها، وجعلوا الحياة الدنيا هى كل حياتهم، فأغرقوا أنفسهم فيها، واستهلكوا وجودهم فى السعى لها..
قوله تعالى:
«ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى» .
أي ذلك الذي يعيش فيه المشركون، من إعراض عن ذكر الله، وعن الخشية من لقائه يوم القيامة، واستفراغ وجودهم كله فى الحياة الدنيا- هو غاية علمهم الذي حصّلوه بعقولهم الفاسدة.. فهم إنما كان همّهم كله منصرفا إلى الحياة الدنيا، فوجهوا عقولهم إليها، وحصلوا من العلم ما يصلهم بهذه الحياة، ويمكن لهم فيها.. وهو علم تافه، يمسك بالقشور من حقائق الأشياء، ولا ينفذ إلى صميمها، ولبابها.. ولو أن علمهم بالحياة الدنيا، كان علما قائما على فهم صحيح، وإدراك سليم، لكان لهم من هذا العلم سبيل إلى الإيمان بالله، واليوم الآخر.. «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ» (7: الروم) ..