والنبي فى حال التقائهما.. إنهما يتجاذبان جذبا قويا.. فجبريل يجذب نفسه إلى حال بشريّة، والنبي يجذب نفسه إلى جهة الملائكة.
وهكذا يظلان يتجاذبان، وقتا معا، حتى يتماسا، كما يتماس وترا القوسين المشدودين، المواجه كل منهما للآخر، وهنا يتم اللقاء والتجاوب بينهما..
والعطف بالحرف: «أو» فى قوله تعالى: «فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» - ليس للشكّ فى الحكم الواقع على ما بين القوسين من قرب وتلاحم، وإنما هو لتأكيد هذا القرب، وأنه بالنسبة لمن يرونه تختلف عليهم رؤيته، فيراه بعضهم قاب قوسين، ويراه بعضهم أدنى وأقرب من ذلك..
وفى قوله تعالى: «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى»
إشارة إلى ما يقع فى هذا اللقاء بين جبريل والنبي، وهو أن جبريل يوحى إلى النبىّ، ما أمره الله سبحانه وتعالى بوحيه إليه من آيات الله وكلماته..
وفى قوله تعالى: «عبده» بإضافة النبي الكريم- بصفة العبودية إلى ربه- فى هذا تكريم للنبى الكريم، وإضافة له إلى رب العالمين، الذي ربّاه، وأحسن إليه، وعلمه ما لم يكن يعلم..
وفى قوله تعالى: «ما أَوْحى»
بتجهيل هذا الذي أوحى إلى النبي- تفخيم لهذا الموحى به، وأنه مما يجلّ عن الوصف، ومما لا تحصره الأوصاف.. فقل فيه ما تشاء من أوصاف الكمال والجلال، فإنك لن تبالغ صفته..