ويقفوا طويلا عنده، قبل المسارعة بهذا الاتهام من غير تدبر أو نظر؟ ..
وقد كان يمكن أن يكون لهذا الإنكار الذي استقبلوا به دعوة النبي- وجه من العذر، لو كان النبي طارئا عليهم، غير معروف لهم، أو كان موضع تهمة عندهم من قبل.. وأما وللنبى فيهم مقام كريم، ومعاشرة طويلة، قائمة على الإكبار والإجلال والتعظيم- فإن المبادأة بهذا الاتهام مما لا يستقيم على منطق أبدا، ولا يقوم له وجه من العذر بحال أبدا..
وقوله تعالى: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» - هو معطوف على المقسم عليه، وهو قوله تعالى: «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» - أي وما ينطق بما نطق به، عن هوى يترضّى به شهوة من شهوات النفس، أو يتصيد به مطلبا من مطالب الحياة.
وقوله تعالى: «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى» .. أي ما هذا الذي ينطق به صاحبكم هذا، إلا وحي يوحى إليه من ربه، وليس عن هوى متسلط عليه من أهواء النفس.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ» (16: يونس) ..
وقوله تعالى: «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى..»
الضمير فى «علمه» بعود إلى جبريل عليه السلام- أمين الوحى، وسفير السماء إليه، برسالة ربه، وبكلماته.. وأنه هو الذي أوحى إلى الرسول بهذا العلم الذي تنكرون على «محمد» ما يتلوه عليكم منه..
ومن صفات جبريل- عليه السلام- أنه «شديد القوى» أي قوىّ أمين