وفى القسم بالنجم فى حال هوّيه، وأفوله، ووقوع هذا القسم على النبي وأنه ما ضلّ وما غوى، كما يرى ذلك المشركون الضالون- فى هذا إشارة إلى أمور:
أولها: أن ظهور النبي- صلوات الله وسلامه عليه- كان فى ظلمة ليل بهيم، أطبق على العالم كله، وأناخ بكلكله على الجزيرة العربية وأهلها، وأن ظهوره هذا، كان أشبه بالنجم القطبي، الذي يرى منه المدلجون فى الليل هاديا، إذا هم رفعوا رءوسهم إلى السماء، ومدوّا أبصارهم إليه..
وثانيها: أن هذا النجم السماوي البشرى، المثل فى النبي، والنور الذي معه- لم يهتد به، فى الدور المكىّ من الدعوة، وإلى وقت نزول هذه السورة- إلا أعداد قليلة من الناس، هم الذين رفعوا رءوسهم إليه، وطلبو الهدى منه.. أما الكثيرة الكثيرة من المشركين، فقد كانوا فى نوم عميق، تطرقهم فيه رؤى الأوهام، وأضغاث الأحلام!! وأن هذا النجم الهادي يوشك أن يغرب عن أفقهم، ويفوتهم الاهتداء به، والتعرف على الوجه الصحيح الذي يسلكونه على درب الحياة.
وثالثها: أن هذا النجم القطبي- وإن غاب عن الأعين- فإنه فى حقيقته قائم فى مقامه العالي، حيث هو.. هكذا يراه أهل العلم.. وكذلك الرسول صلوات الله وسلامه عليه- وإن غاب شخصه عن أعين الناس، فإنه قائم فى مقامه المكين، من قلوب المؤمنين أبدا الدهر.
ورابعها: أن النبي الكريم، وإن ظهر فى أول أمره نجما، لا تكتحل بضوئه إلا العيون التي تطلبه، فإن أمره بعد هذا سيعظم، ويتحول إلى صبح مشرق، يملأ العيون، وينعش النفوس، ويوقظ الأحياء.. ثم لا يلبث هذا النبي أن يطلع شمسا ينفذ شعاعها إلى الكائنات، فيلبس المؤمنون به، المتعرضون