قوله تعالى:
«وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ» ..
هذه أول آية فى هذه السورة تتحدث عن المؤمنين، وما أعد الله لهم من ثواب عظيم وأجر كريم.. فقد كانت السورة كلها مواجهة لأهل الشرك والضلال، وما دخل عليهم من شركهم وضلالهم، من إنكار ليوم البعث، حتى إذا جاءهم هذا اليوم، ذهلوا وذعروا، ثم إذا سيقوا إلى المحشر، والتقى بعضهم ببعض- أنكر بعضهم بعضا، وتراموا بالعداوة والبغضاء، ثم ألقوا جميعا فى جهنم التي لا تضيق بكثرة الواردين إليها..
فقوله تعالى: «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ» هو النسمة العليلة المنعشة التي تطلع فى هذا الجوّ الخانق، الذي يكظم الأفواه، ويزكم الأنوف، مما يهب من سعير جهنم، ومن صرخات أهلها..
إن يوم القيامة ليس كله هذا الهول وهذا البلاء، بل إن فى هذا اليوم مباهج، ومسرات، وبشريات مسعدة لأهل الإيمان والتقوى.. وأنه إذا كان هناك جهنم التي تفغر فاها لأهل الشرك والضلال، فإن هناك أيضا جنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين.. وأنه إذا كانت جهنم تنتظر الواردين الذين يسوقهم إليها سائق عنيف يدعّهم دعّا، ويلقى بهم إلقاء فيها، فإن الجنة تسعى للقاء أهلها، وتلقاهم متوددة، متلطفة، تماما كما يفعل المضيف عند استقبال ضيف عزيز كريم، فيلقاه على الطريق مرحبا محييا..
فقوله تعالى: «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ» أي قربت، والزلفى: القرب.. وهذا يكون فى مقام الإحسان، كما فى قوله تعالى: «وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ» (40: ص) ..