من كذب، أو افتراء.. فكانوا بهذا أشبه بشاهد واحد، وكأنهم صوت يتردد.. له أكثر من صدى..
قوله تعالى:
«لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» .
هو جواب عن تساؤلات كثيرة يتساءلها هذا الإنسان الذي كان لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر.. وذلك أنه حين ينفخ فى الصور، ويخرج من قبره مع الخارجين من قبورهم- يدهش لهذا الأمر، وتعروه منه حال من التبلد والجمود والحيرة، وكأنه فى حلم رهيب مزعج.. ويسأل نفسه ما هذا الذي يجرى حوله؟ وأين هو؟ وما خطبه؟ وماذا يراد به وبالناس؟ ..
إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا يجد لها جوابا.. ثم ينكشف له الأمر حالا بعد حال، وإذا منادى الحق يناديه هذا النداء الذي يكشف له عن المصير المشئوم الذي هو صائر إليه: «لقد كنت فى غفلة من هذا» فى حياتك الدنيا، لا تستمع إلى من يحدثك به، ويقدم لك الأدلة والبراهين عليه..
أما الآن، فإنك سترى بعينيك حقيقة ما كنت تحسبه وهما وضلالا:
«فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» ..
لقد كشف عنك غطاء الغفلة الذي كان مضروبا على بصرك، فبصرك اليوم حديد، أي قوىّ، يرى كل ما بين يديك وما خلفك.. فالحديد من الحدّة، وهى القوة، وحدّ السيف: الجانب القاطع منه..
وهذه الآية تشبه ما جاء فى قوله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟ هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» (51، 52 يس)