وحكمته وعلمه، ما لم يروه، وهم يمشون فيها بعيون مقفلة، وقلوب فارغة، وعقول لاهية.. إنها كون فسيح ممدود إلى غايات بعيدة، تتجاوز هذا القدر المحدود الذي لا يتعدّى مواطىء أقدامهم، ولا يخرج عن محيط مغداهم ومراحهم.. وإن هذه الجبال التي تطاول السماء بين أيديهم، ليست مجرّد أكوام من الأحجار، بل هى أوتاد تمسك هذه الأرض أن تميد، وتضطرب بما عليها من موجودات.. وإن هذه الزروع والحدائق، والمروج التي تغطّى وجه الأرض، ليست إفرازا من إفرازاتها، وإنما هى حلل من الجمال، والبهجة والحسن، كساها الله سبحانه وتعالى بها، حتى تطيب للناس الحياة فيها، وحتى تفيض عليهم بهجة وحبورا، مما تنتعش به النفوس، وتسعد به القلوب، فلا يكون حظّ الإنسان من هذه الزروع مقصورا على الغذاء الذي يملأ البطون، كما هو حظ الحيوان، الذي لا يعنيه من أمر هذه الخيرات إلا أن يملأ بطنه منها..
قوله تعالى:
«تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ» .
هو بيان للعلة التي من أجلها قامت السموات والأرض على هذا النظام البديع المتقن، المحلّى بحلي الجمال والبهجة.. إن فى هذا كله ما يفتح البصائر إلى مطالع الحق، ويمدّ العقول بكمالات المعارف الموصلة إلى الله، وذلك حين تصادف الإنسان الذي لم تفسد فطرته، ولم تنطمس بصيرته، ولم تستول على عقله الضلالات والسفاهات..
والعبد المنيب، هو العبد المستعدّ لقبول الخير حين يدعى إليه، ولاتباع سبيل الحق حين يستبين له وجهه!