وهذا من جفاء الأعراب، ومن بعدهم عن الإيمان، وفساد تصورهم له..
إنهم يمنّون على النبي والمؤمنين، أنهم آمنوا بالله، واستجابوا لما يدعوهم إليه الرسول، وإنهم ليعدّون هذا مأثرة لهم عند الرسول، ويدا يحسبونها لهم عليه.. وهذا وضع مقلوب للقضية.. إنهم إن كانوا مؤمنين حقا، فإن عائدة هذا الإيمان وثمراته راجعة إليهم، لأنهم خرجوا بهذا الإيمان من الضلال إلى الهدى، ومن الظلام إلى النور، ومن البلاء والهلاك والعذاب الأليم فى الآخرة، إلى العافية، والسلام، والخلود فى جنات النعيم.. وتلك نعمة أو نعم لا يقدر أن يقوم بشكرها إنسان..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (103:
آل عمران) ..
فعجيب أن يمنّ الآخذ على المعطى، ويطلب المريض الجزاء من الطبيب الذي طبّ لمرضه، وشفاه من علته!! ولكن هكذا يفعل الجهل بأهله..
وفى قوله تعالى: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» - بدلا من أن يقال:
يمنون عليك أن آمنوا، أخذا برأيهم فى أنفسهم، وبما نطقت به ألسنتهم- فى هذا تكذيب ضمنى لقولهم: «آمنا» بعد أن كذبهم الله تكذيبا صريحا فى قوله تعالى: «لَمْ تُؤْمِنُوا» .. فهو تقرير للأمر الواقع منهم، وهو الإسلام، لا الإيمان..
وقوله تعالى: «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ