وقوله تعالى: «وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً» لا يلتكم: أي لا ينقصكم، ولا يبخسكم حقكم..
وفى هذا دعوة إلى الأعراب أن ينتقلوا من الإسلام إلى الإيمان، وأن يجعلوا هذه الكلمات التي دخلوا بها فى الإسلام غرسا طيبا يغرسونه فى قلوبهم، ومشعلا هاديا يقودهم إلى طريق الخير والإحسان، آخذين بما يأمرهم به الله ورسوله، فإن هم فعلوا كانوا فى المؤمنين حقا، وكان لهم كل ما للمؤمنين عند الله من رحمة ورضوان.. وإن صفة «الأعراب» التي وصفوا بها، لا أثر لها فى أعمالهم، وإن كان لها أثرها فى تأبّيهم على الإيمان، وفتور خطوهم إليه، وتأخرهم عن اللحاق بركب المؤمنين.. ومع هذا فإنهم فى أي وقت يدخلون فيه إلى الإيمان دخولا صحيحا، ويستقيمون على أوامر الله ونواهيه- يلحقون فورا بالمؤمنين، ويجزون بأعمالهم جزاء من سبقوهم إلى الإيمان.. «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» يتجاوز لهم عن هذا الجفاء الذي كان بينهم وبين الإيمان..
قوله تعالى:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» .
هذا هو الإيمان الذي فات الأعراب أن يحصّلوه، وتلك حقيقة المؤمنين التي لم يحققها الأعراب بعد بإسلامهم..
فالمؤمنون، هم الذين آمنوا بالله ورسوله فنزل هذا الإيمان فى قلوبهم منزلة اليقين، لا يزحزحهم عنه أي عارض من عوارض الحياة، ولا يغيّر وجهه فى قلوبهم ما يلقاهم على طريق الحياة من بأساء وضرّاء، ثقة منهم بالله، وركونا إليه، ورضاء بقضائه، وصبرا لحكمه..