فيها عقد ألسنتهم، ويجهرون فيها بما يتحرجون من الجهر به فى غير خلواتهم مع من يكونون على شاكلتهم، وفى مستوى مكانتهم بين الناس..
فالجهر بمثل هذا القول، وإن لم يرتفع به الصوت فوق صوت النبي، فيه دلالة على عدم الاحتشام والحياء فى حضرة رسول الله، الأمر الذي لا يليق أن يكون من مؤمن بالله ورسوله، ولا يلتقى مع التوقير لرسول الله، الذي دعا الله سبحانه المؤمنين إليه فى قوله سبحانه: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» ..
وقوله تعالى: «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ» ..
حبط الأعمال: إبطالها، وحرمان أصحابها الثمرة المرجوة منها..
والسؤال هنا: كيف تحبط أعمالهم بعمل يعملونه ولا يشعرون بالآثار المترتبة عليه؟ وهل يؤاخذ الإنسان على ما يعمله عن غفلة وجهل؟.
والجواب على هذا- والله أعلم- أن هذا تحذير من أن يكون من المؤمنين شىء من هذا المنهىّ عنه، مستقبلا، بعد أن نهاهم الله سبحانه وتعالى عنه.. فالمؤاخذة على ما نهوا عنه، إنما تبدأ من بعد تلقّيهم هذا النهى..
ولأن مثل رفع الصوت، والجهر بالقول، مما قد يكون من بعض الناس طبيعة لازمة، أو عادة متحكمة، فقد جاء هذا التحذير ليتنبه المؤمنون وهم بين يدى النبي، وليحرسوا أنفسهم من أن ينزلقوا، تحت حكم الطبيعة أو العادة، إلى هذا المنزلق الذي تضيع فيه أعمالهم الطيبة من غير أن يشعروا أنهم يأتون منكرا، أو يقصدون إساءة أدب فى حضرة الرسول!.
وهذا، وإن كان من غير قصد، هو مزلق إلى ما يكون عن قصد، ووعى، بعد أن يصبح ذلك عادة مألوفة..