دنيا الناس، وخالطت فيها وجودهم، واحتكّت بخيرهم وشرّهم، وواجهت أخيارهم وأشرارهم..
أما المؤمنون، فإن لهم من هذا الفضل الإلهى ما يحفظ عليهم إيمانهم، ويزكّيه، وينقّيه، وينمّيه.. «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ» .
والسكينة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على قلوب المؤمنين، هى ما وقع فى قلوبهم من رضا وطمأنينة وسكينة، بعد هذه الموجات التي تدافعت فى صدورهم، من وساوس الحيرة والبلبلة، ساعة صلح الحديبية.. فلقد اضطربت كثير من القلوب، وزاغت كثير من الأبصار، وقصرت كثير من الأفهام عن أن ترى ما وراء هذا الصلح من خير كثير، وفتح مبين، فوقعت فيما وقعت فيه من حيرة وبلبال.
وقد كانت هذه التجربة القاسية التي عاناها المؤمنون من أحداث الحديبية- باعثا يحرك فى قوة وعنف، ما فى كيانهم من مشاعر، وما فى عقولهم من مدارك، ليقابلوا بها هذه المتناقضات التي بدت لهم من ظاهر موقفهم الذي اتخذوه من النبىّ مع أحداث الحديبية، حتى إذا بلغ الأمر غايته من ضيق الصدور، وحرج النفوس، طلع عليهم من حيث لم يحتسبوا ولم يقدروا- ما وراء هذا الصلح من خير كثير، وفتح مبين، فكان لذلك من السلطان على العقول، والأثر فى النفوس، ما للقائه المكروب المضطرب فى محيط الصحراء، تطلع عليه من حيث لا يحتسب قافلة تنتشله من يد هذا الضياع المستبدّ به!! إنه بعث له من عالم الموتى، وحياة مجدّدة له بين الأحياء.. وإنها لحياة عزيزة غالية، تلك الحياة الجديدة التي لبسها، وإنه لواجد فيما يستقبل من حياة طعما جديدا لتلك الحياة، وحرصا شديدا على ألا ينفق شيئا منها فى غير النافع المفيد..