والإنفاق فى سبيل الله.. وهذا البخل إنما هو عائد على من بخل، إذ حرم نفسه هذا الخير الكثير الذي كان ينتظره لو أنه أنفق من هذا المال الذي حبسه، وضنّ به.. إنه هو المحروم، وهو الخاسر فى هذا الموقف، حيث آثر ما يفنى على ما يبقى..
وفى تعدية الفعل «يبخل» بحرف الجر «عن» بدلا من الحرف «على» الذي يستدعيه ظاهر النظم- فى هذا إشارة إلى أن هذا البخل هو حجز للخير عن النفس، التي كان من حقها على صاحبها أن يسوقه إليها من هذا المال الذي بخل به، وهو يظن أنه إنما فعل ذلك ابتغاء لخيرها وإسعادها..
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ» - هو تعقيب على موقف أولئك الذين بخلوا بالإنفاق فى سبيل الله، ولم يستجيبوا الدعوة الله، الذي آتاهم من فضله، ووسّع لهم من رزقه- فالله- سبحانه- غنىّ عنهم، وهم الفقراء إليه..
ولو شاء سبحانه أن يعفيهم من هذا الامتحان، لفعل، ولحرمهم الثواب الذي ينالونه بما ينفقون من مال الله الذي بين أيديهم..
وقوله تعالى: «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ» ..
هو تهديد ووعيد لهؤلاء الباخلين بأموالهم عن الإنفاق منها فى سبيل الله وأنهم إذا أصروا على موقفهم هذا، ولم ينفقوا فى سبيل الله، كان فى المؤمنين من يقوم مقامهم، ويسدّ هذا النقص الذي كان منهم.. ثم إن هؤلاء الذين يلبسون الإيمان ظاهرا وباطنا، لا يكون منهم تردد، أو نكوص عن تقبل البذل والإنفاق، كما كان من هؤلاء المترددين المنقلبين على أعقابهم، بل ستثبت أقدامهم على طريق الإيمان إلى النهاية..