للمشركين، يدعوهم إليه، ويقيم لهم معالم الطريق إلى الله، ويفنّد أباطيلهم، ويفضح سفههم..
وقد قطعت الرسالة الإسلامية إلى يوم نزول هذه السورة- سورة محمد- (وهى مدنية) - شوطا بعيدا على الطريق إلى غايتها، ودخل كثير من الناس فى دين الله، فكان من تدبير الحكيم العليم أن يلفت المسلمين إلى أنفسهم، وإلى أن يكتشفوا مواقع القوة والضعف منهم.. فهم ليسوا على حال واحدة من السلامة والعافية فى دينهم، وإن من الخير لهم- وهم على الطريق- أن ينظروا إلى أنفسهم، وألا يشغلهم النظر الدائم إلى عدوهم، عن النظر إلى أنفسهم، فإنه من الغبن والظلم معا، أن يرعى الإنسان غيره ويهمل نفسه، ففى ذلك تضييع للراعى ولمن يرعاه جميعا..
وقوله تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ» - إشارة إلى تطلع أنظار المؤمنين، إلى آيات الله، وتعلق قلوبهم بما ينزل من وحي السماء..
فهم على شوق دائم بهذا النور الذي ينزل من السماء، فإذا أمسك الوحى عنهم قليلا، هفت قلوبهم إليه، وشاقهم الحنين له، وباتوا يتمنون على الله أن ينزّل عليهم سورة! «لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ» !! فلولا هنا استفهام يراد به الرجاء والتمني..
هذا هو موقف المؤمنين من آيات الله.. يرصدون منازلها، ويشدّون قلوبهم وعقولهم إلى مطالعها، وينتظرون فى لهف وشوق هطول غيوثها..
أما من فى قلوبهم مرض من المؤمنين- فإن لهم مع آيات الله موقفا غير هذا الموقف، وشأنا غير هذا الشأن..
وقوله تعالى: «فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» .