هذا الاستغفار، داع خفىّ يدعوهم إلى الله سبحانه، وينهج بهم مناهج الخير والهدى.. لا أنّ هذا الاستغفار من النبىّ للمؤمنين والمؤمنات، يغفر لهم ذنوبهم، ويمحو عنهم سيئاتهم، فإن غفران الذنوب ومحوها إنما يكون بعمل ذاتىّ من الإنسان نفسه بأن يتوب إلى الله ويستغفر لذنبه، كما يقول سبحانه:
«وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ» (25: الشورى) .
وكما يقول جل شأنه: «ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً»
(110: النساء) أو بأن يعمل المرء عملا صالحا، فيكون ذلك العمل الصالح طهرة من العمل السيء، كما يقول سبحانه: «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» (114: هود) أو أن يكون ذلك بفضل من الله ونعمة.
وهذا الذي ذهبنا إليه من أن استغفار النبىّ للمؤمنين والمؤمنات، لا يكفر عنهم ذنوبهم، وإنما يمدّهم بأمداد الهدى والاستقامة- هذا الذي ذهبنا إليه، هو ما يتفق وروح الشريعة الإسلامية، التي تحترم الإنسان، وتعلى ذاته، وتجعل إليه وجوده كله، من غير قوامة عليه من أحد.. فهو بهذا الوضع إنسان يحمل المسئولية كاملة، ماله، وما عليه..
ولو كان استغفار النبىّ للمؤمنين والمؤمنات مكفّرا عنهم سيئاتهم غافرا لذنوبهم وآثامهم.. لكان من هذا داعية إلى المؤمنين والمؤمنات إلى إخلاء أنفسهم من المسئولية، ولما كان للإساءة حساب عندهم، إذ كان هناك من يستغفر لهم، ويحمل عنهم ذنوبهم! ومن جهة أخرى، فإنه لو كان معنى استغفار النبي للمؤمنين والمؤمنات، هو طلب المغفرة لذنوبهم، لكان ذلك أمرا مقضيّا للنبى عند ربّه، ولغفر الله سبحانه وتعالى ذنوب المؤمنين والمؤمنات جميعا، لانه دعاء من النبىّ، وكل دعاء من النبىّ إلى ربّه، هو دعاء مستجاب، لا يتخلف أبدا.. وقد رأيت ما يقضى إليه غفران ذنوب كل مؤمن ومؤمنة، من غير عمل منهم.