أولا: أن على الإنسان أن يلتمس الهدى ويطلبه من ذات نفسه.. وهو فى هذا إنما يستجيب لفطرته، ولداعى عقله.. فإذا لم يتجه إلى هذا الاتجاه، كان مصادما لفطرته، معطلا لمدركاته.. إنه حينئذ يكون أشبه بالحبّة التي أصابها السوس، أو مسّها العفن والعطن.. إنها تبذر مع غيرها من الحب، وتسقى الماء كما يسقى غيرها، ولكنها تظل جسما ميتا هامدا فى الأرض، يأكله الثرى، على حين يخرج غيرها نباتا، ثم يكون زرعا، مزهرا مثمرا..
إن كل حبة من تلك الحبات التي نبتت وازدهرت وأثمرت، لم تخرج إلى وجه الأرض إلا بما فيها من حياة كامنة، وإلا بمجهود ذاتى، بذلته الحبة حين اختلطت بالماء والتراب، حتى لكأنها الأنثى تضع حملها، فتعانى آلام الطلق، والوضع!.
والذين «اهْتَدَوْا» أي بذلوا جهدا ذاتيا من أنفسهم، للاتجاه نحو النور، والدخول فى دائرته- هؤلاء يزيدهم الله هدى بهذا النور الذي وضعه بين أيديهم، فيرون على ضوء هذا النور أكثر مما رأوا، حيث تهديهم هذه الرؤية إلى نور أعظم، فيسعون إليه، ويدخلون فى دائرته.. وهكذا.. «نُورٌ عَلى نُورٍ.. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» (35: النور) وفى قوله تعالى: «وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» - إشارة إلى أن التقوى التي يبلغها المؤمن بإيمانه، هى مطلب أعظم من مطلب العلم، وأنها إنما تنال بعد جهد، ومصابرة.. ولهذا، فإنه إذ يبلغ الإنسان الدرجة التي يدخل بها مدخل المتقين، يحتفى به فى الملأ الأعلى، وتخلع عليه خلعة التقوى من الله رب العالمين، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» .. إنها هبة عظيمة من الله، وعطاء كريم، من رب كريم، لعباد كرام على الله، مكرمين فى رحابه..