يأخذ حظه من تلك المغانم، وهذا من شأنه أن يضعف من بلاء المسلم فى القتال، ومن نكابته فى العدوّ.. وهذا، وهذا، وكثير غيره، مما يخفّ به ميزان المجاهد فى سبيل الله، وتذهيب به ريح المجاهدين، إذا نظر المجاهد فى ميدان القتال إلى نفسه، وطلب لها السلامة، أو الغنيمة، ولم يكن مطلبه الأول هو الانتصار على العدوّ، أو الاستشهاد فى ميدان القتال..

وقوله تعالى: «حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ» ..

«حَتَّى» حرف غاية، لبيان الحدّ الذي يجب أن يقف فيه المسلم عن قتل الكافر، فى ميدان القتال، وهو أن يرى الكافر وقد أثخنته الجراح، وسقط فى ميدان المعركة..، ولم يعد قادرا على المشاركة فيها- هنا لا يجوز للمسلم أن يقتل هذا المثخن بالجراح، بل كل ما يفعله، هو أن يتحقق من أنه لن ينهض ليحارب من جديد، وذلك بأن يشد وثاقه، أو يضربه ضربة تعجزه عن القيام، ولا تقضى عليه..

فشدّ الوثاق، قد يكون على حقيقته، إن أمكن، وقد يكون بتعجيز الجريح عن أن ينهض، ويعود إلى قتال المسلمين مرة أخرى، فى هذه المعركة..

وهذا وجه من وجوه الإسلام المشرقة- وكل وجوه الإسلام وضيئة مشرقة- وما فيه من معانى الإنسانية الرفيعة السامية، التي تراود أحلام الفلاسفة والأخلاقيين، ولا يجدون لها فى عالم الواقع مكانا..

فالإسلام فى حربه للكافرين- وهم حرب على كل حق وخير- لا يريد قتلهم، ولا يشتهى إراقة دمائهم، ولو كان من همّه هذا لما ردّ سيفه عمن كانوا لساعتهم حربا على المسلمين، يقتلونهم ويسفكون دماءهم، ثم أغمدت سيوفهم، وتكسرت رماحهم، وأصبحوا فى عجز قاهر لهم أن يضربوا بسيوفهم أو يطعنوا برماحهم! ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015