هو عرض لمشهد من مشاهد القيامة، يرى فيه الكافرون وقد وقفوا موقف الحساب، والمساءلة، على ما كان منهم فى حياتهم الدنيا، من بغى، واستكبار فى الأرض بغير الحق.
إن الكافرين والضالين، إذ يعرضون على النار فى هذا اليوم، ويساقون إلى العذاب الأليم فيها، يقال لهم وهم على شفيرها: هذا جزاؤكم، فلقد أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها، ولم تدخروا منها شيئا لهذا اليوم..
لقد كانت معكم عقول تعقلون بها، وآذان تسمعون بها، وأعين تبصرون بها، فما استعملتم شيئا من هذا فى سبيل التعرف على الله، والاهتداء إليه، بل صرفتم هذا كله إلى مواقع الكفر والضلال: «فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ» الذي تهدر فيه آدميتكم، وتذهب كرامتكم، فلا يكون لكم إلا الهوان والإذلال، إذ كنتم ولا عقل معكم، ولا سمع، ولا بصر! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى هذه السورة: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً، فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» (الآية: 26) .
فالطيبات التي أذهبها الكافرون فى حياتهم الدنيا، هى تلك القوى التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيهم، من عقل، وسمع، وبصر، ونحوها مما يكون به الإنسان إنسانا، والتي يكشف بها مواقع الهدى والخير.. وقد عطل الكافرون هذه القوى، وأفسدوها حين صرفوها فى وجوه الفساد، وفى اصطياد اللذات وجلب الشهوات..