ألا يكون منكم إلّا الانطلاق فى هذا الضلال الذي أنتم فيه إلى غاياته؟ إن ذلك عدوان منكم على الحق، وظلم مبين منكم لأنفسكم، والله لا يهدى القوم الظالمين، الذين يرون الحقّ، ويأبون أن يأخذوا طريقهم معه! هذا، وقد كاد يكون إجماع من المفسرين على أن هذه الآية قد نزلت فى عبد الله ابن سلام، وهو من اليهود الذين دخلوا فى الإسلام، ويأتون على هذا بأخبار ومرويات من الأحاديث فى كتب الصحاح كالبخارى ومسلم، وغيرهما..
والسورة مكية، وليس هناك شاهد قوىّ يشهد بأن هذه الآية مدنية- كما يقول بذلك الذين يذكرون سبب نزولها- بل إن هناك أكثر من شاهد بأنها مكية..
فأولا: أن السياق متصل، بحيث يجعل الآية فى مواجهة هؤلاء المشركين الذين يخاجون النبىّ ويرمونه بالكذب والافتراء وفى هذه المواجهة يرى المشركون أن موقفهم من الرسول، ومن القرآن، سينتهى بهم إلى أن يسبقهم أهل الكتاب إلى هذا الرسول الذي كانوا يتمنون على لله أن يكون لهم كتاب مثل أهل الكتاب.. وكانوا يقولون ما حكاه القرآن عنهم: «لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ» (157: الأنعام) وها هم أولاء قد جاءهم الكتاب، ويوشك أن يفلت من أيديهم وثانيا: أن فى هذه لآية المكية، دعوة غير مباشرة إلى أهل الكتاب أن يؤمنوا بهذا الرسول، وبالكتاب الذي أنزل إليه من ربه وفى هذه الدعوة إرهاص بالمواجهة التي سيواجه فيها الرسول والقرآن أهل الكتاب، فيما بعد، وهذا أسلوب من أساليب القرآن فى دعوة أهل الكتاب إليه، وهو فى الطريق إليهم، قبل أن يلقاهم لقاء مباشرا