متلبسا به، فما خلق شىء فى هذا الوجود إلا بحكمة وتقد. وما خلق شىء عبثا أو لهوا، كما يقول سبحانه: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ» .. فكل ذرة فى هذا الوجود، لها مكانها فيه، ولها وظيفتها التي تؤديها لانتظام نظامه، واتساق حركته: «ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ» (3: الملك) .
وقوله تعالى: «وَأَجَلٍ مُسَمًّى» معطوف على قوله تعالى: «بِالْحَقِّ» أي ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وبتقدير أجل مسمّى لكل مخلوق خلق.. فكل مخلوق خلق لغاية، وحكمة.. وكل مخلوق له أجل ينتهى به دوره، كما يقول سبحانه وتعالى: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ» (49: يونس) وكما يقول سبحانه: «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ» (38: الرعد) .
وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ» .. جملة حالية، تكشف عن موقف بعض مخلوقات الله التي خرجت عن سنن الحق الذي قام عليه الوجود كله.. فهؤلاء الذين كفروا، لم يقفوا عند حدّ كفرهم، وانحرافهم عن جادة الطريق، بل إنهم- مع كفرهم وضلالهم- لم يقبلوا دعوة الهدى، ولم يستمعوا إلى هذا النذير، الذي جاء ينذرهم ويحذرهم عاقبة كفرهم وضلالهم..
وفى الجمع بين كتاب الله المنزّل من الله العزيز الحكيم، وبين السموات والأرض والحق الذي خلقا به- فى هذا الجمع، إشارة إلى أن آيات الله القرآنية، وآياته الكونية، على سواء، فى أنها جميعا من الحق، وأن ما يتلوه أصحاب الألباب من صحف الكون، هو شبيه بما يتلونه من كتاب الله، وآياته.. فمن لم تنفذ العبرة والعظة إلى قلبه عن طريق السمع، بما يتلى عليه من