أي دعا موسى ربه: أن هؤلاء قوم مجرمون، وأنهم قد استحقّوا بإجرامهم أن يلقوا جزاء المجرمين.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسان موسى فى موضع آخر: «وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» (88- 89 يونس) ..
وقوله تعالى: «فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ» - هو جواب لنداء موسى ربّه، ودعائه إياه أن يأخذ هؤلاء المجرمين بجرمهم.. ولم يصرح القرآن الكريم بالجزاء الذي طلب موسى من ربه أن يجزى به القوم المجرمين، وإنما اقتصر على عرض القوم وهو فى تلبسهم بالكفر الذي هو الجريمة التي يدانون بها.. وفى هذا ما يشير إلى أن عقابهم على هذا الجرم أمر مفروغ منه، وأنه لا يحتاج إلى طلب، إذ كانت تلك الجريمة الشنيعة تنادى بالويل والهلاك لمن ألمّ بها..
ولهذا جاء قوله تعالى: «فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ» معطوفا بالفاء التي تدل على الترتيب والتعقيب- على قوله تعالى: «فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ» - وذلك مما يشعر بأن الدعاء واستجابة الدعاء، أمر واحد.. بمعنى أن الجريمة وعقابها مترابطان متلازمان.. فحيث كانت هذه الجريمة، كان العقاب مصاحبا وملازما لها..
وفى قوله تعالى: «فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا» بذكر الليل مع أنّ السّرى، لا يكون إلا ليلا- فى هذا ما يشير إلى ما ينبغى أن يكون عليه موسى وقومه، من الحذر، وهم يأخذون طريقهم ليلا، فارّين هربا من وجه فرعون..