الله سبحانه وتعالى قد أوحى إلى نبيه الكريم بهذه الأحرف التي تحمل فى كيانها دلالات يعرف النبىّ تأويلها، بما آتاه الله من علم، شأنه فى هذا شأن الأنبياء من قبله، الذين أوحى الله سبحانه وتعالى إليهم بمثل ما أوحى إليه به من هذه الأحرف، التي هى رموز إلى أمور يعرفون هم تأويلها، ويشاركهم بنسب مختلفة فى المعرفة بعض أتباعهم وحواريهم، من الراسخين فى العلم.
فالمراد- والله أعلم- بما يوحى به الله سبحانه وتعالى إلى النبىّ هنا، هو بعض ما يوحى إليه، لا كلّه، وهو تلك الحروف المقطعة التي بدئت بها بعض السور، لا كلّ ما أوحى به إليه.
وفى قوله تعالى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» .. إشارة إلى أن هذا الوحى الذي تلقى به النبىّ صلوات الله وسلامه عليه هذه الأحرف، لم يكن عن طريق الملك الذي اعتاد أن يلقاه، فيتلقّى منه ما أذن الله بوحيه إليه من آياته وكلماته.
وإنما كان كلاما من ربّه، على تلك الصفة التي أشار إليها سبحانه فى قوله:
«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً» .. أي إلهاما منه سبحانه، حيث يجد الرسول كلمات ربّه قائمة فى صدره، مستولية على كيانه كلّه.. وهذا ما يشير إليه الرسول فى قوله: «إن روح القدس نفخ فى روعى» ..
ومن هنا كان لهذه الأحرف هذا المقام الكريم، فى كتاب الله الكريم، فكانت تلك الأحرف على رأس السّور التي نزلت معها..
هذا، وسنزيد الأمر بيانا فى آخر السورة، عند تفسير قوله تعالى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» .