ولو جاء النظم هكذا: قل أرأيتم من أضل منكم إن كان هذا الرسول من عند الله، ثم كفرتم به- لنفروا نفار الحمر الوحشية، ولما استقبلوا هذه الدعوة التي يدعون إليها، إلا بالصد والإعراض، أو بالسب والشمّ، فيفوت بذلك الغرض المقصود من الإمساك بهم فى هذا الموقف، لينظروا فى تلك المرآة، التي يرون شخوصهم مائلة فيها! قوله تعالى:
«سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.. أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ..»
أي أن هؤلاء المشركين، الذين شكّوا فى رسول الله، وفى آيات الله التي بين يديه- سيريهم الله آياته فى الآفاق البعيدة عنهم، وفى ذات أنفسهم، وستكشف لهم هذه الآيات التي يرونها، أن هذا الرسول حق، وأن الكتاب الذي بين يديه حقّ.
والآيات التي رآها المشركون فى الآفاق وفى أنفسهم كثيرة.. منها هذا المجتمع الجديد الذي قام لدعوة الإسلام فى المدينة، واجتمع فيه المهاجرون والأنصار.. ومنها ازدياد قوة الإسلام، وشوكة المسلمين، يوما بعد يوم.. ومنها انتصار المسلمين يوم بدر وهم قلة، وانتصارهم يوم الخندق بغير حرب.. ومنها جلاء اليهود عن المدينة، وإنزالهم من صياصيهم.. ومنها فتح خيبر.. ثم منها فتح مكة.. ففى هذه الآيات رأى كثير من المشركين أن هذا الدين هو دين الله، وأن الرسول رسول الله، وأن الكتاب كتاب الله، فجاءوا من كل فج يطلبون الإسلام، ويدخلون فى دين الله أفواجا.
وقوله تعالى: «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»