الشهادة التي تدينهم وتدين جلودهم معهم..
«وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .
والجلود قد أنطقها الله سبحانه الذي أنطق كل شىء.. فكل شىء ناطق لله سبحانه وتعالى، كما أن كل شىء مسبح بحمده، كما يقول سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (44: الإسراء) .. فليس المراد بالنطق، هنا، نطق اللسان، وإنما المراد هو إفصاح الموجود عن وجوده، والإبانة عن ولائه لخالقه، بأية صورة من الصور، ومن هذه الصور انتظام الموجود فى نظام الوجود، وجريانه على ما أقيم عليه..
وقوله تعالى: «وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» .. يجوز أن يكون هذا من قول الله سبحانه وتعالى لهم، تعقيبا على مقول الجلود لهم، وتقريرا لهذا القول.
ويجوز أن يكون ذلك من مقول الجلود، ويكون ذلك من شهادتها على أصحابها، الذين لم يلتفتوا إلى هذه الحقيقة، بل غفلوا عنها، فلم يؤمنوا بأن لهم خالفا واحدا هو الذي خلقهم، وخلق كل شىء.. إذ لو عرفوا هذه الحقيقة، لآمنوا بالله وحده، ولما عبدوا هذه الآلهة التي عبدوها من دونه، ولما صاروا إلى هذا المصير المشئوم الذي ألقى بهم فى جهنم..
والمراد بالخلق أول مرة، هو الخلق الذي كان عليه الإنسان، قبل الموت، وهو ميلاده فى الحياة الدنيا.. وفى هذه إشارة إلى خلق آخر، وهو البعث..
فالبعث، وهو نشر الموتى من القبور، هو خلق جديد، كما يبدو للأنظار وخاصة أنظار الذين ينكرون البعث، ويظنون أن الموت هو رحلة فى محيط الفناء الأبدىّ، ولهذا كانوا يقولون فى أسلوب إنكارى ما حكاه القرآن