فالأيدى، والأرجل، تتكلم، ولا تقول اليوم إلا حقّا.. والأيدى إنما تشهد بما أخذ بها أصحابها من حقوق وما سلبوا من أموال، وما أوقعوا بها من أذى فى عباد الله.. والأرجل تشهد بما كان منهم من سعى إلى كل مأثم ومشى إلى كل باطل..
وفى قوله تعالى: «شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» .. بيان لشهود آخرين، غير الأيدى والأرجل، يقومون من كيان الإنسان نفسه، ليؤدوا شهادة الحق عليه.. فهناك السّمع، وهو يشهد بما سمع من آيات الله، فلم يجد لها عند صاحبه مجيبا، وما سمع من منكر القول وضلال الحديث، فوجد السامع المستجيب! وهناك البصر.. الذي رأى ما رأى من آيات الله الكونية، فلم يجد عند صاحبه الوعاء السليم الذي يحفظ فيه ما رأى، بل إنه كان يرى ما يرى، فيلقى بما رأى فى إناء مخروق لا يمسك شيئا، ولا يحتفظ بشىء.. على حين كان هذا البصر إذا علق بشىء من الباطل، وجد من صاحبه المشاعر التي تجسد هذا الباطل، وتقيمه تمثالا يعبده من دون الله! ثم هناك «الجلد» وهو هذا الثوب الذي يكسو الإنسان، ويحوى كيانه كله، وهو موضع الإحساس فيه، ويمثل حاسة اللمس، إلى جوانب الحواس الأخرى، من السّمع، والبصر، والذوق، والشم، التي يحويها كلها الوعاء الجلدى..
وقد فسر بعض العلماء «الجلد» بالفرج، وهو تأويل بعيد، لا تساعد عليه اللغة، وإن كانت الفروج من الجوارح التي تهدد الناس بأقدح الأخطار وأشنعها.. فكان حمل الجلود عليها منظورا فيه إلى إقامة أفصح الشهود