وماذا يعمل النبي؟ إنه لا يملك شيئا لرفع هذه الحواجز التي أقاموها على أنفسهم، وإنه لن يستطيع أن يخرجهم من أجحارهم تلك التي دفنوا أنفسهم أحياء فيها..
وفى قوله تعالى: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» - إشارة إلى خطأ ما يظنه المشركون فى النبي، وأنه إنما يستعلى عليهم بما فى يديه من هدى، وما يتلوه عليهم من آيات ربه.. فهو- صلوات الله وسلامه عليه- بشر مثلهم قبل كل شىء، وأن هذا الذي آتاه الله من فضله لن يخرجه عن بشريته.. إن الإنسان هو إنسان قبل كل شىء، وما يؤتاه من الله سبحانه، من بسطة فى فى الجسم، أو سعة فى الرزق، أو روعة فى الجمال والحسن، أو نفاذ فى البصيرة والإدراك- لن يخرجه ذلك عن أن يكون إنسانا.. وفى هذا عزاء للناس الذين لم يكن لهم حظ موفور، من هذا الذي مع غيرهم، من ماديات الحياة ومعنوياتها، إذ أنهم- لو عقلوا- لعلموا أنهم شركاء فى هذا الذي يرون أنفسهم أنهم حرموا منه وهو البشرية.. إنه ملك الإنسانية كلها، يضاف إلى رصيدها، مما هو مرغوب فيه عندها.. كما أن ما فى بعض الناس من نقص وعيب، هو مما يحسب على الإنسانية كلها، ومما تخفّ به موازينها..
وإذن، فإن الذي ينبغى أن يأخذ به الإنسان نفسه، ليكون عضوا فى هذه الشركة العامة، هو أن يدخل فيها برصيد طيب، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، حتى يأخذ بمقدار ما يعطى.. وإلا كان معتديا ظالما..
والنبي- صلوات الله وسلامه عليه- هو بشر مثلهم، وقد أكرمه الله بهذا الرزق السماوي العظيم، الذي بين يديه من كتاب الله، والذي يدعو إليه الناس جميعا، ليشاركوه فيه، وليأخذوا ما استطاعوا حمله منه.. وإن الشقي من حرم نفسه من هذا الغذاء الذي هو حياة الأرواح، وغذاء العقول والقلوب.