وهنا سؤال:
كيف ينهى النبىّ عن عبادة ما يعبد المشركون، وهو- صلوات الله وسلامه عليه- لم يسجد لصنم، ولم يوجّه وجهه إلى غير الله، قبل أن تأتيه الرسالة، إذ كان له من فطرته السليمة ما عصمه به الله من أن يشتهى هذا الطعام الخبيث، الذي كان يقتات منه قومه..؟
والجواب على هذا من وجهين:
فأولا: ليس النهى عن الشيء بالذي يلزم منه أن يكون الموجّه إليه النهى مواقعا له، أو متلبسا به.. بل يصح أن يكون النهى واقعا على ذات الشيء المنهّى عنه وحده، أشبه بلافتة تشير إلى الخطر الكامن فيه، وتنبه إلى الحذر منه.. فإذا نهى النبي عن الشرك، فإنما ينهى عن أمر، ينبغى عليه أن يحذره ويتوقاء أبدا، كما يقول الله سبحانه وتعالى: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» (65: الزمر) وثانيا: أن هذا النهى- وإن كان موجها إلى النبىّ- هو فى حقيقته موجه إلى كلّ مدعوّ إلى الإيمان بالله.. فمن أراد أن يدخل فى الإيمان، فلينزع ثوب الشرك أولا، ولينفض يديه، وبخل نفسه من كل ما يصله بتلك المعبودات التي تعبد من دون الله.. ثم ليدخل بعد هذا إلى ساحة الإيمان نفيّا، طاهرا من الشرك ورجسه..
وفى قوله تعالى: «لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي» .. إشارة إلى أن هذا الذي تلقاه النبىّ من نهى عن الشرك، وأمر بالإسلام لربه، إنما كان بعد بعثته، واصطفائه لرسالة ربه، وتلقيه ما ينزل عليه من آياته وكلماته.. فهذا النهى وذلك الأمر، إنما هو من محامل الرسالة التي أرسل بها من ربه، وأمر